top of page
  • صورة الكاتبقومي

الهوية والوعي بالذات .. بين غيبوبة الماضي وصحوة المستقبل




مفيش شك أن الهوية هي كل ما يُميز الشخص، و المجتمع بناءً علي التاريخ، و المنجز الحضاري، والتاريخ هو كل حدث له وثيقة مادية، و هو صناعة و إنتاج الذات في إطار التحديات من اجل الخلود، والوعي بالذات؛ و لو سقط الوعي بالذات سقط التواصل الحضاري، وتفكك المجتمع، و أصبح حائرًا بلا هوية توحدهُ.


مع إختفاء القومية المصرية في ستينات القرن الماضي أكبر الأخطاء التي اُرتِكبَت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان الإبتعاد التام عن الهوية المصرية لصالح القومية العربية، و تناول ثورة ١٩١٩ بإستهانة، و هي أهم ثورات مصر المعاصرة اللي جسدت روح المقاومة ضد الإحتلال الإنجليزي سياسيًا.


الخطأ الثاني هو تجاهل اسم مصر في مرحلة الوحدة المصرية السورية فبقيت مصر هي القطر الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة بهدف تعزيز فكرة القومية العربية علي حساب الفكرة الوطنية و لكن النتيجة في النهاية كانت عكسية؛ لان مسيرة التاريخ مش تُقطَع بنظرية حرق المراحل والإحساس الوطني لا يصح تجاهله بل أحيانا يتأجج كرد فعل لذلك.


و قد كان بالفعل في عهد الرئيس الراحل (محمد انور السادات) لما رفع شعار مصر أولا و قال:


"مصر الأصل فكيف الأصل ينسب للفرع (العرب) فمن يلزم عليهم الإنتساب لنا هم العرب ففي الدين الإسلامي السيدة هاجر أم إسماعيل ابو العرب من مصر فالفرع يُنسَب للأصل و ليس العكس".

و ده اللي بيأكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:


"عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ".

فسلبيات تجاهل عمق الفكرة الوطنية والقومية المصرية اتسبب في فقدان أداتنا الوسيطة المشتركة و الحافز المشترك للتعبير وتواصل الخبرات و الوعي بالذات و تشرذم المجتمع وساد مناخ الإهتراء الثقافي و الإستهزاء من تاريخنا فاللي يسخر بأن مصر ظلت اكثر من ألف عام محتلة في تغاضي تام عن ذكر تاريخ النضال و المقاومة و الثورات المصرية علي المحتلين؛ فكانت مصر مش تستوعب ثقافة الغُزاه فتقوم بتحويلها لصالحها و إذابتها في مجتمعها و كل هذا لم يؤثر علي دمائنا و ثقافتنا و اكبر دليل علي ذلك الفلاح المصري الاصيل الذي تشابه ملامحه ملامح اولئك الذين تم نحتهم منذ ٧٠٠٠ الاف سنة في جدران المعابد.


ولسه فيه عاداتنا المصرية مخلدة و باقية لحد دلوقتي حتي في اعيادانا تتجلي فيها روح الهوية المصرية زي عيد شم النسيم و التحطيب و السبوع و ٤٠ الميت و صناعة البردي و نحت التماثيل و القايمة و الفرن البلدي و ليلة الحنة والأكلات زي الفول و الرنجة و الفسيخ و غيرهم كتير ،كمان تتجلي الهوية المصرية لما يجي شهر رمضان المبارك نستقبله ونغني "وحوي يا وحوي اياحا" وهي كلمات مصرية قديمة و معناها اظهر يا وجه القمر و كانت تقال إلى إياح حتب الملكة العظيمة المقاتلة والدة أحمس بعد الإنتصار و طرد الهكسوس من مصر.




وحتي يومنا ده نردد في الكنيسة الألحان المصرية باللغة المصرية و ظل الفن المصري خالداً في جميع كنائس مصر كمان فرغم مرور الزمن والحكم الأجنبي لمصر ظلت مصر هي مصر..فكما قال أبو العلاء المعري :


" تتوي الملوك و مصر في تغيرهم هي مصر".

مِن سلبيات فقدان هويتنا المصرية والوعي بالذات هي التعامل مع تاريخ الدولة علي إعتباره أنه ليس تاريخ أمة بل تاريخ قوم غرباء يسمّون "بالفراعنة" فظهرت مصطلحات مغلوطة زي الحضارة الفرعونية و اللغة الهيروغليفية وتم معاملة الآثار و المومياوات ليس علي إعتبار أنها ممتلكات شعب و أمة لا وكمان إعتبر أنها كنوز قابلة للبيع و التفريط بأبخس الأثمنة .. فبقيت من وجهة نظر الجهل واللا وعي مجرد جمادات ملهاش فائدة ولا قيمة .. الأمثلة بتطول.


خروج البعض لمحاولة الحط من التاريخ المصري بإعتباره تاريخ وثني أو متعدد الآلهة و كإن المصريين مستقبلوش الرسالات السماوية ودخلوا فيها.


الدين عقيدة و الهوية أوسع و تشمل عقائد الشعب ذاته والدين بدون جنسية فملهاش علاقة لكونك مسلم بأنك وجب أن تكون عربيًا حتى لو اتكلمت لغة عربية فصحى و مارست كل الشعائر الدينية بالعربية


الجزء التاني يقول إن هويتنا هوية عربية خالصة..و إن مفيش حاجه إسمها هوية مصرية..طب ليه؟ لأننا بنتكلم لغة عربية..


فالسؤال اللي بيطرح نفسه..هل اللغة "وحدها كمعيار" تحدد هوية الشعوب؟


يعني هل الكونغو مثلا دولة فرنسية لأن لغتها الرسمية الفرنسية؟ هل المكسيك دولة أسبانية لأن اللغة الرسمية لغة أسبانية؟ و كذا البرازيل و البرتغالية و العشرات غيرهم، فاللغة مش المعيار الوحيد لتحديد هويات الشعوب فمثلًا الهوية اللي في عصرنا الحالي اللي احنا يه نتكلم باللهجة المصرية الحديثة و هي عبارة عن خليط عدة لغات منها و علي رأسها اللغة العربية و التركية والإنجليزية واللغة المصرية و غيرها من اللغات وهي معترف بها علميًا بكود دولي ISO arz 639 ومعتمد لها ثلاث للهجات السكندرية والقاهرية و الصعيدية. كما أن الدين ليس وطن بمفهومه؛ فالوطن كما عرفه رائد التنوير و المعرفة و أول المنادين بالقومية المصرية رفاعة رافع الطهطاوي


" إن الوطن هو عش الانسان الذي فيه درج ، ومنه خرج، ومجمع اسرته ، ومقطع سرته وهو البلد الذي نشأته تربته، وغذاؤه وهواؤه ، ورباه نسيمه".

رفاعة رافع الطهطاوي
رفاعة رافع الطهطاوي


فكلنا مصريين فخوريين سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو حتى غيره، فإحنا كمصريين عندنا قومية متميزة لها بُعدها الحضاري ضارب في جذور عمق التاريخ و الاعتزاز بهويتنا المصرية ليس معناه أبدًا الإنعزال و الإنغلاق بل هي الإستفادة بما يناسبني و يناسب العصر دون أن اكون جزءً من احد او اتبع احد كما قال الفيلسوف الراحل أحمد لطفي السيد:


"مصر ليست جزءً من الخلافة، مصر أمة في حد ذاتها ، مصر مصرية".

فالحضارة المصرية حضارة عظيمة أثرت في العالم كله و مازالت ليومنا ده تبوحُ بأسرارها فإحنا أمة كما قال الأستاذ الكبير توفيق الحكيم في كتاب عودة الروح:


"أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخري أو معجزات، أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون ، ولا يرون قلبها العظيم بارزاً نحو السماء من بين رمال الجيزة , لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش الي الأبد".

فلازم احنا كمصريين توعية و ترسيخ هويتنا المصرية و الحفاظ عليها العظيمة المتمثلة في تاريخنا الحضاري العريق و شخصياته قديمًا و حديثًا من المهندسين و الأطباء و الكتاب و العلماء و الحكام و الجنود و الفلاحين و النحاتين منذ فجر التاريخ و حتى يومنا حاليا.


"نحنُ شَعْبٌ حَكَمَ الدُّنْيَا وَسَاد 𓂓𓅓𓆎𓅓𓏏

ونَمَا وَالدَّهْرُ فى الْمَهْدِ صَغِير"


يتبع..

منشورات ذات صلة

عرض الكل

Comments


تابع كل مقالتنا في Google News
دلوقتي علشان توصلك كل جديد

أقرا أيضا

bottom of page